من اخلاق السلف عند الإختلاف

0
بسم الله الرحمن الرحيم . .





السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..





إن من اسباب البغي والظلم والجور عدم الإنصاف مع المخالف , واعتبار كل خلاف سبب للقطيعه والهجر والتدابر وإنزال جميع الخلاف منزلة واحدة ومحاولة جر بعض ماحدث في تاريخ الإسلام ليكون دليلا وأصلا في التعامل مع المخالفين من اهل القبلة خاصة .





والواقع أن في تاريخ السلف من الصفحات المشرقة مايصلح أن يكون نبراسا في فقة الإختلاف عند حدوثه بين المختلفين .




ولو أمعن الناظر في تلك الحقبة وما حصل فيها من المواقف لاستبان له حقيقة الموقف الصحيح الذي يجب أن يكون عليه المرء عندما يحدث خلاف بينه وبين اخوته .




وتلك المواقف النيرة هي الموافقة للمقاصد الشرعية الآمره بالتآلف والتراحم الذي يجب أن يكون بين المسلمين جميعا والناهيه ايضا عن الفرقه والنزاع لأجل أن لاتذهب ريح المسلمين وتضعف قوتهم .





ولا تعني تلك المواقف عدم الرد على المخالف أو بيان الحق ودحض الباطل , ولكن شتان بين بيان الحق برفق ولين وبين بيان الحق بقصد الإضرار بالمخالف أو الحاق الاذى به , بل ومحاولة اخراجه من دائرة الإسلام لاستباحة عرضه ودمه وماله .




وسنعرض في هذه المقاله صورا مشرقة من تاريخ السلف عند وقوع الإختلاف بينهم وكيف كان تعاملهم فيما بينهم عند ذلك ال‘ختلاف الحادث ليستنير بها من شط فهمه أو ضاق ذرعا عند خلاف المخالف له .





وأول مانقرأ في التاريخ ذلك الحدث الذي حدث بين الصحابة رضوان الله عليهم حينما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأن لايصلوا العصر إلا في بني قريظه , حيث أخرج البخاري في صحيحه وغيره عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم لنا لمّا رجع من الاحزاب : لا يصليّن أحد العصر إلاّ في بني قريظه فأدرك بعضهم العصر في الطريق فقال بعضهم : لانصلي حتى نأتيها , وقال بعضهم : بل نصلي , لم يرد منا ذلك فذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يُعنّف واحداً منهم .





فهذا الحديث يدل دلالة واضحة بيّنة على ماكان عليع الصحابة الاخيار من احتمال الخلاف الدائر بينهم ؛ وسعة صدورهم وعدم ضيق ذرعهم بخلاف بعضهم بعضا ؛ حيث لم تنقل الروايات أن ذلك كان سببا في بغي بعضهم على بعض أو تعدي بعضهم على بعض .




ومن تلك الصور المشرقة أيضاً ذلك الخلاف الذي حدث بين عبد الله بن مسعود وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما في بعض المسائل على كثرة التشابه بين منهجهما الفقهي ؛ حيث أوصل ابن القيم رحمه الله المسائل التي اختلفوا فيها إلى مائة مسألة منها :


ان ابن مسعود كان ينهى عن وضع اليدين على الركاب في الركوع ويأمر بالإطباق ؛ وخالفه عمر بن الخطاب واختلفا أيضاً في الرجل زنا بامرأة ثم تزوجها ، فيرى ابن مسعود أنهما لازالا يزنيان حتى ينفصلا؛ وخالفه عمر .





ومع ذلك الاختلاف كان ثناءهما على بعضهما هو الفيصل لذلك النزاع الذي ينم عن صدق المودة والمحبة ؛ حيث يقول عمر بن الخطاب عن ابن مسعود : كيف ملىء فقها أو علما؛ آثرت به أهل القادسيه .





ويقول ابن مسعود عن عمر : كان للاسلام حصناً حصيناً ؛ يدخل الناس فيه ولا يخرجون ، فلما أصيب عمر انثلم الحصن .




ومن الصور المشرقة أيضا اختلاف الصحابة في توريث الإخوه مع وجود الجد , فكان زيد وعلي وابن مسعود لايرونه , وأما ابن عباس فيخالفهم ويقول : ألا يتقي الله زيد يجعل ابن الابن ابنا , ولا يجعل أب الاب أبا , وقال : لوددت أني وهؤلاء الذين يخالفونني في الفريضة نجتمع فنضع أيدينا على الركن ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين .





ورغم هذا الخلاف فلا يمنع ابن عباس على جلالة قدره أن يتواضع ويأخذ بخطام ناقة زيد ويقول لزيد : هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا وكبرائنا , فقال زيد : أرني يدك , فأخرج ابن عباس يده فقبلها زيد وقال : هكذا أمرنا أن نفعل بأهل البيت نبينا صلى الله عليه وسلم ( تقبيل اليد ) .





ولما دفن زيد قال ابن عباس : هكذا ذهاب العلم , لقد دفن اليوم علم كثير .



وبمثل تلك الاخلاق العاليه تأثر التابعون ممن حمل العلم عن الصحابه الاخيار كأمثال : سعيد بن المسيب الذي يعتبر راوية عمر وحامل فقهه في المدينه , وعطاء بن ابي رباح في مكة , وطاووس في اليمن ويحيى بن ابي كثير في اليمامه , والحسن في البصره , ومكحول في الشام , وعطاء في خراسان وعلقمة في الكوفه وغيرهم .. وهؤلاء كانوا كثيرا مايمارسون الفتوى والاجتهاد بمشهد من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين تلقوا العلم والفقه عنهم , وتربوا على ايديهم وتأدبوا بآدابهم وتأثروا بمناهجهم في الاستنباط فما خرجوا عن آداب الصحابه في الاختلاف عندما اختلفوا ولا جاوزوا تلك السيره ولعل مما يوضح ذلك الأدب هاتان المناظرتان في الديه .





حيث اخرج الدارمي من طريق الشعبي قال : جاء رجل إلى شريح فسأله عن دية الاصابع , فقال : في كل اصبع عشرة من إبل فقال الرجل : سبحان الله هذه وهذه سواء مشيرا إلى الابهام والخنصر , فقال شريح : ويحك إن السنة منعت القياس اتبع ولا تتبدع .





واخرج مالك في الموطأ عن ربيعة قال : سألت سعيد بن المسيب كم في اصبع المرأة ؟ قال : عشرة من الابل قلت : ففي اصبعين ؟ قال عشرون قلت ففي ثلاث ؟ قال ثلاثون قلت ففي اربع ؟ قال عشرون , قلت : حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها ( أي ديتها ) فقال سعيد : أعراقي أنت ؟ فقال ربيعه : بل عالم متثبت أو جاهل متعلم قال سعيد : هي السنة يا ابن اخي .




وهكذا سار التابعون عند اختلافهم على منهج ماتركهم عليه الصحابه فلم يحملهم اختلافهم بغيهم على بعضهم بل حفظوا حقوق الاخوه والرابطه الإيمانيه التي تجمعهم .





http://arb3.maktoob.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © ثقافة زوجية

تصميم الورشه