اسرار الحب : مفاهيم الحب المغلوطة

0
اسرار الحب : مفاهيم الحب المغلوطة



لا يتعبني في تعقيباتهم‏,‏ الا الذين لا يستوعبون مفهوم الحب‏!!‏ فهم ينطلقون من فهمهم للحب‏,‏ من منطلق‏(‏ عقلي‏)‏ متناقض تماما‏,‏ وما انطلق منه‏,‏ ولقد قلنا كثيرا‏,‏ ان الحب هو ميل شديد نحو شخص بقوه قهريه‏,‏ دون سبب معلوم‏,‏ هذا هو محور الكلام عن الحب‏!!‏ اما ان ندخل الحب تحت مفاهيم العقل والمنطق فاننا بذلك نستخدم ادوات لا تصلح للكلام عن ا لحب‏,‏ فمعني‏(‏ القوه القهريه‏)‏ اننا نكون امام قوه كاسحه‏,‏ تهزم عقل الانسان وتشل ارادته‏.‏ فهي قوه‏(‏ قاهره له‏)‏ وليست قاهره لمن يتحدث عنها دون ان يكابدها‏!!‏ وهو ميل‏,‏ دون سبب معلوم اي ان المحب لا يجد سببا يبرر به للاخرين‏,‏ هذا الحب‏!!‏ فهو يجيب دائما علي السوال‏(‏ لماذا تحب فلانا‏)‏ بجمله‏(‏ لا اعرف‏)!!‏ ولو كان يعرف‏,‏ او لو كان من طبيعه المحب والمحبوب‏,‏ ان يعرف كل منهما سبب الحب‏,‏ لكان الحب بلا اي مشاكل‏..‏ وكنا بداناه وانهيناه في الوقت الذي نريد‏..‏ ولرفعنا شعار‏(‏ اذا عرف السبب‏..‏ بطل العجب‏)!!‏ لكن ‏(‏العجب‏)‏ في الحب‏,‏ لا يبطل ولن يبطل‏,‏ لانك لا تعرف سببه ولن تعرفه‏,‏ فاذا عرفته فانت لست امام حاله حب‏,‏ انما انت في حاله‏(‏ اختيار‏)‏ لمن تراه الاحسن‏!!.‏ وترتيبا علي ذلك فان الذي يختار لابد ان يختار من يراه ملائما اجتماعيا واقتصاديا‏,‏ لكن الذي يحب‏,‏ يفتقد القدره علي الاختيار‏,‏ فيجد نفسه ذائبا في شخص قد يكون ملائما له وقد لا يكون ملائما له بالمره‏!!‏ وانا اعرف من اكتشفت ان من تحبه‏(‏ لص‏)‏ و‏(‏نشال‏)‏ او‏(‏ مدمن‏)‏ ومع ذلك فلم تستطع اطلاقا ان تتراجع‏,‏ لانها‏(‏ فاقده لاراده الاختيار‏)‏ اي انها مالت اليه بقوه قاهره‏,‏ دون سبب معلوم‏!!.‏

وامامي رساله من‏(‏ صيدلانيه سكندريه‏)‏ يوسفني القول بانها تخلط بين‏(‏ الاختيار‏)‏ الواعي‏,‏ وبين الحب القهري‏,‏ ولا تدرك الفرق بين الحالتين‏.‏ فهي تطلب مني ان انير الطريق بالتنبيه علي‏(‏ الحب الواعي‏)!!‏ وجمله الحب الواعي تنسف فكره الحب‏..‏ وهي فكره لم اخترعها بل اننا نرصدها ونجلو عنها الخلط الذي يقع فيه امثال القارئه العزيزه وهذه الجمله تحمل نقيضها لان الحب يتنافي مع الوعي‏,‏ تاريخيا ومنطقيا فلو قلنا‏(‏ حب‏)‏ فاننا بمفهوم المخالفه ننفي‏(‏ الوعي‏),‏ لان الحب يحدث خارج نطاق الوعي‏..‏ لكن الخلط في ذهن الصديقه الصيدلانيه ناتج عن عدم وضوح الفرق لديها بين‏(‏ الحب‏)‏ وهو بلا وعي علي طول الخط وبين‏(‏ الاعجاب‏)‏ وهو يستند الي وعي وادراك‏,‏ بسبب استحقاق الاعجاب‏!!.‏

وتتساءل القارئه ببراءه هل مطلوب من المحب ان يعطي عقله اجازه فيصبح تابعا؟ انه حب اعمي مرفوض من المجتمع ويشد صاحبه الي اسفل‏..‏ وردا عليها اوكد قطعيا انها لم تحب قبل كتابتها الرساله‏!!‏ ولا احد يطلب من المحب اطلاقا ان يعطي عقله اجازه‏!!‏ فالحب ليس بالطلب‏!!‏ وفي الحب اجازه عقليه‏(‏ قهريه مفروضه‏)‏ رغم انف من يحب‏!!‏ هل وصلك المعني يا عزيزتي‏!!‏؟ وهو لا يسال‏(‏ اين عقلي‏)‏ لكنك انت التي تسالينه‏(‏ اين عقلك‏)‏ فيرد عليك‏(‏ لا اعرف‏)!‏هل وصلك المعني‏..‏ مره اخري‏!!‏؟

واذا كان ذلك هو ما فهمته الصيدلانيه السكندريه من مقال‏(‏ الحب وبشائره‏),‏ فان ما فهمته قارئه اخري‏(‏ مني محمد‏)‏ من مقال‏(‏ حمايه الحب‏)‏ يدور في نفس المجال الذي تدور فيه القارئه الصيدلانيه لكن يبدو ان‏(‏ مني‏)‏ للاسف‏,‏ لم تفهم المقال جمله وتفصيلا‏,‏ وقد اجد لها عذرا في تركيزي علي محاور الفكره في المقال دون الدخول في تفصيلات تصورت انا انها مفهومه‏!!‏ لكن يبدو انه لابد من شرح ما اوجزه‏,‏ لمن لم يدرك معناه‏.‏ فالقارئه تتساءل ساخره ‏(‏ سيادتكم تفضلتم وقلتم ان الحب بمفاهيمه الاخري‏,‏ يمكن ان يستجيب للحمايه وللدفاع‏,‏ لانه يستند الي‏(‏ شرعيه‏)‏ ذات اوجه دينيه او اجتماعيه‏..‏ يعني لازم يكون الحب شرعي ليعيش تحت هذه المظله‏..‏ كيف بالله عليك؟‏!‏ واقول للقارئه مني اجري‏(‏ مقابله او مواجهه‏)‏ بين حب جنسي بحت‏,‏ وبين حب لا يخالف النظم الاجتماعيه او الدينيه في اي مجتمع وقلت واقول وسوف اقول‏,‏ ان الحب الجنسي لا يستاهل او يستحق الحمايه تحت اي ظرف‏!!‏ بل انه يحمل في طياته بذور فنائه‏..‏ فهو يستعصي لا علي الاستمرار فحسب‏,‏ بل وعلي الحمايه ايضا‏,‏ في حين ان الحب الذي لا يستهجنه المجتمع ولا الدين‏,‏ لانه مثلا من اجل الزواج‏,‏ فهو حب يستند الي شرعيه دينيه ا و اجتماعيه‏,‏ ومن ثم فهو يستحق الحمايه‏,‏ وهو جدير بالرعايه‏!!.‏

انظري يا عزيزتي الي ارض تنبت فيها حشائش واشواك وورود ونخيل‏!!‏ ما هو‏(‏ التصرف الطبيعي‏)‏ للانسان هنا‏!‏؟ انه يجتث الحشائش والاشواك ويحافظ علي الورود والنخيل ويحميها من كل عدوان‏..!!.‏

وتتساءل القارئه في‏(‏ براءه اخري‏),(‏ انني حائره‏..‏ اذا كان الحب من صنع الله‏..‏ طيب هل هو نقمه من الله ام هو نعمه وهبه من الله؟ واذا كان نقمه‏,‏ يعني تعاسه والم وشقاء‏,‏ فهل يعني ذلك ان الله يعاقب الانسان ويشقيه بحب ليس له ذنب فيه‏!‏؟‏.‏

والتساول علي بساطته يثير قضايا فلسفيه كثيره‏,‏ تتعلق في جانب كبير منها بمساله‏ (الجبر والاختيار‏)‏ التي ناقشها المعتزله والاشاعره في صدر الاسلام‏,‏ ودون دخول في تفصيلات معقده نطلب ببراءه ايضا من القارئه‏,‏ ان تجيب لنا علي هذا التساول ‏(‏ هل خلق الله السكين‏,‏ ليقتل الناس بعضهم بعضا‏..‏ ام ليذبحوا بها الماشيه والطيور‏!‏؟‏)‏ وفي صياغه اخري‏..‏ هل السكين‏..‏ للموت‏..‏ ام للحياه‏!‏؟ ان الانسان يا عزيزتي‏,‏ هو الذي‏(‏ يسيء‏)‏ او‏(‏يحسن‏)‏ التصرف فيما خلقه الله‏!!.‏ وفي الحب حتي المستند الي شرعيه من جانب جبري قهري‏,‏ هو‏(‏ الشعور بالحب‏)..‏ وجانب اختياري ارادي هو‏(‏ التصرف الانساني‏)‏ في هذا الحب‏!!‏ فمثلا‏,‏ انا احب‏(‏ س‏)‏ من الناس‏.‏ واريد ان اتزوجها‏..‏ ولابد ان اراها واقابلها اولا‏!!‏ هناك اراده لي في حبها‏.‏ لكن لي اراده حره في الاختيار بين بدائل لمقابلتها‏!!‏ هل اتفق معها لمقابلتها سرا وبعيدا عن اهلها‏!‏؟ ام استدرجها لمنزلي لافهمها‏(!!)‏ ام اتوجه لمنزلها لاعرض علي اهلها رغبتي في الزواج‏.‏ ونعلن الخطبه واراها واتحدث اليها فاذا لم‏ (‏نتوافق‏)‏ فنحن في حل من‏(‏ الوعد بالزواج‏)!!‏ هنا يا عزيزتي يكون‏(‏ الاختيار‏)‏ لوسيله اللقاء‏,‏ هو الذي يحدد‏(‏ النعمه‏)‏ او‏(‏ النقمه‏)!!‏ انه اختيار انساني حر‏,‏ بين بدائل من التصرفات بعضها مقبول وبعضها مرفوض‏..‏

وهنا نستطيع القول‏,‏ ان‏(‏ الشقاء‏)‏ من صنع الانسان و‏(‏الهناء‏)‏ من صنع الانسان ايضا‏,‏ حين يختار بين الصحيح والباطل من صور اللقاء‏!!‏ اما الحب نفسه فهو‏(‏ قهر‏)‏ للاراده‏,‏ فيه يكون شعور الانسان مسيرا‏..‏ ويبقي مخيرا في تصرفاته‏!.‏ وتتساءل‏(‏ مني‏)‏ عن مصير‏ (الحب من طرف واحد‏)‏ وهو حب لا يشعر به الطرف الاخر‏,‏ فهل يمكن ان يعيش هذا الحب‏!‏؟‏.‏

اننا حددنا علي وجه الدقه انواع الحب التي تحتاج الي حمايه‏.‏ ولان الحب من طرف واحد‏,‏ هو كما قلنا‏(‏ عذاب من فوقه عذاب ومن تحته عذاب‏)‏ فهو حب لا يمكن بداهه ان يحميه احد او ان يتيح له الاستمرار‏.‏ ولم نشا ان نضعه في سله واحده‏,‏ مع الحب الجنسي لاختلاف الطبيعه وربما اتحاد المصير‏.‏ فمصير هذا وذاك هو النهايه دون حمايه‏.‏ والحب من طرف واحد يطول زمنه او يقصر‏,‏ نتيجه لعوامل متباينه‏,‏ كاختلاف الاشارات التي يتلقاها المحب من المحبوب‏,‏ ومدي قدرته علي ترجمتها الترجمه الصحيحه‏.‏ ذلك ان الذي يحب من طرف واحد‏,‏ كثيرا ما يغلو في تفسير ما يراه او يصادفه من المحبوب‏.‏ فلو قال المحبوب للمحب من طرف واحد‏(‏ اين انت‏!‏؟ لقد افتقدتك‏)..‏ هنا يختلف رد الفعل من محب الي اخر‏..‏ فقد يهتز كيان محب ويترجم الجمله علي انها‏(‏ استجابه عاطفيه‏)‏ ذات مضمون واضح‏..‏ ويفهم من يتلقاها انها نوع من المجامله‏,‏ واخر يتلقاها بمفهوم السخريه‏!‏ اي ان الحب من طرف واحد‏,‏ ذو اوجه متعدده‏,‏ نصفه دائما بانه عذاب من فوقه عذاب ومن تحته عذاب‏..‏ لكن كل هذا العذاب‏,‏ ينتهي اذا بدا‏(‏ المحبوب‏)‏ في مبادله المحب‏,‏ شعورا بشعور‏..‏ وهو ما يحدث بندره تكاد تكون منعدمه‏..‏ ومحنه الحب من طرف واحد ان مكابده لا يرجع عنه بالنصيحه ولا بالارشاد‏..‏ بل غالبا ما يكون تبدد هذا الحب‏,‏ نتيجه للاحباط المتتالي والاحساس بان كل احباط يمثل صفعه قويه علي خد القلب‏.‏

في حين ان الحب الجنسي قد ينتهي نتيجه نصح او ارشاد او احباط ذاتي او ملل وسام لكن لا هذا الحب ولا ذاك‏,‏ يجب ان يتمتع اي منهما بحمايه ما‏!!.


----------

د. محمد اسماعيل علي





http://arb3.maktoob.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © ثقافة زوجية

تصميم الورشه