رجال في خريف العمر

0


فصل الخريف ذلك الفصل الرائع الذي لم ياخذ حقه من الاهتمام .. احبه جدا بل اعشقه .. ارجوك لاتكلمني عن الربيع .. رياح الخماسين .. وحساسية حبوب اللقاح والرمد الربيعي .. هناك من الناس من ينتظر الخريف بترقب .. يجدون تساقط الاوراق اكثر روعه من تفتح الازهار .. يجدون في الشجره الجرداء وقارا يوحي بجمال راق .. ينتشون باللون الرمادي الذي تكتسي به الدنياء سماء وارضا .. ويهزهم هواء يوحي ببروده قادمه .. الخريف له مذاق حزين .. الشعور بالحنين لشيء ما .. التفكير والتدبر والبحث في اسرار الكون ومبدعه .. هذا هو الخريف .

ولذلك لاينزعج كثيرون وهم يتخطون الخمسين لايشعرون بالانطفاء بل بالتوهج ولايقلقهم التجاعيد الزاحفه او الشعيرات البيضاء .. لايشغلون بالهم بمقاومة الزمن والبحث عن وسائل العوده للوراء .. بل يرتشفون روعة الحاضر بتلذذ غير معهود ويستمتعون بخواطر والهامات ونبضات وجدانيه غير مسبوقه .. يستطيعون ان يروا بالعين المجرده الارض كرة زرقاء لامعه في سلسله من الكواكب تدور حول شمس لامعه .. يستطيعون ان يروا الكون السرمدي الازلي الشاسع البون .

تتراجع القوى الجسديه رويدا رويدا بصوره غير محسوسه .. لكن تتزايد قوى اخرى .. قوى اكثر انسانيه ورفقا اكثر قربا من الحقيقه .. هي قوة الروح فتزداد شفافيه وادراكا ونقاء .. وتمنح تلك القوه الجسد روحا من نوع جديد تزيد من روعة الاحاسيس وتجاوبها ويكتسي الوجه وقارا ويوحي بجمال اخاذ ناضج من عقل ناضج

وقليل من الرجال ينزعجون يصيبهم القلق والحسره ينظرون بأسف على الشباب اليانع من حولهم بل ويحسدون .. يهرعون الى الاصباغ والالوان والمقويات .. لعلهم يسرقون الزمن .. ولكن هيهات .. ينشغلون بالكامل بأجسادهم فتنطفيء الروح ويدخلون في سباق هم الخاسرون فيه .. الامر يشبه شعور المقامر .. قلق وكأبه وتوتر تدفع الرجل الى تهور واندفاع وانغماس في شهوات .. وكل ما سقط درجه في سلم الاخلاق .. وكلما شعر بالذل والاهانه مع مشاعر الرفض لشيخوخته المتصابيه .. وكلما سقط درجه .. وفقد جزء من احترامه لذاته .. كلما انغمس اكثر واكثر.. فلم يعد لديه ما يخسره .. كمقامر كلما خسر ضاعف قيمة رهانه حتى يفقد كل شيء .. البعض يظن أن بإمكانه البدء من جديد .. فيتزوج بمن تصغره سنا كثيرا ويدخلون في سباق مع الزمن .. فتضيع منهم متعة الطمأنينه مع شريك العمر ورفيق رحلة الكفاح .. حيث كبروا معا وحصدوا ثمرة كفاحهم معا .. حزنا معا وفرحا معا .. وانصهرا في مجرى الزمن .. كونا رصيدا هائلا وضعوه في بنك الذكريات .. يخسر هذا الرصيد لهثا وراء حلم ضائع .. نحن لانظلم احدا ولا نحرم حلالا.. ولكن اذا كان قرار الزواج نابعا من محاولة ارجاع الزمن فلتتمهل ولتتروى حتى تنهي تلك المرحله عزيزي الرجل .. ثم لتتخذ قرارك بهدوء وتروي واعمالا للعقل .. كما لانتكلم عن امرأه صغيره يأسرها اللون الابيض .. خيوط الفضه المتهدلة على جبهه حرثها الزمن .. فكان اميرها وفتي احلامها كهل تجاوز الاربعين .. قد نسديها بعض النصح .. ولكنه يظل اختيارها .. ولن نقول ان تجربة زواج العجائر بالصبايا محتمة الفشل .. قد يغلب عليها .. ولكن بالتأكيد هناك تجارب ناجحه .. وأنجحها هي تجربة نبنا الحبيب صلى الله عليه وسلم .. من امنا خديجه .. فقط نقول فليكن الزواج نابع من اراده حره خاليه من اي ضغط .. وفي حاله عقليه متزنه .. هذا ما نريد .. نحن لانحرمك من حقك ولانزايد عليك .. فقط هي سعادتك .. ومراعاتك لمشاعر الاخرين .

قد يشعر الرجل بالاكتئاب .. احساس عميق بالحزن وعدم رغبه في الحياه اكتئاب قد يحتاج معه علاج نفسي .. وفي هذه الحاله لن يتصابى ولن يتزوج من صغيره .. بل سيكبت مشاعر الحزن بداخله .. ارق وضعف جسدي متزايد وفقدان للشهيه .. وشكاوي جسديه دون ان يكون لها اساسا من الصحه .. توهم المرض .. هو ضعيف جدا يجتاج الى لكل احبابه بجواره زوجته واولاده .. هو يمر بمحنه ازمه كأي ازمه اخرى ولكنها تعصف بكيانه .. هو بأضعف حالاته .. كطفل صغير يحتاج الى يد رقيقه تهدهده .. وتداوي جروحه .. يحتاج الى صبر وتحمل .. لكي تمر تلك الازمه بسلام .

يستطيع الرجل مهما بلغ في العمر ان يمارس الجنس بجميع اشكاله مع زوجته .. ربما بكفائه يحسده عليها ابناء العشرين .. فلديهما رصيد من الخبره والالفه .. كل منهما يستطيع ان يرى تعبيرات وجه الاخر في الظلام .. كل منهما يستطيع ان يستمع بفهم الى انفاسه .. تلك الشفره المعقده التي لايفهمها الا المتزوجون .. كل جزء من جسده يستطيع ان يقيم علاقه قائمه بذاتها مع شريكه .. الامر ليس منبعه قوة جسديه .. هي اكبر من ذلك بكثير .. تناغم وتجانس واقوال لها قوة الافعال .. وافعال لها صوت الكلمات .



ولكن يتلقى الرجل الضربه القاضيه بالخروج على المعاش لان الرجل مرتبط بعمله ولانه يعني له الكثير فإنه يفقده جزء من ذاته .. احساسه بالمسؤليه وشعوره برجولته .. بعد زواج الاولاد وانشغالهم بحياتهم الخاصه .. وبعد رحيل رفيقة كفاحه يجلس وحيدا يجتر الذكريات .

اول يوم في رمضان جلس رجلا طاعنا في السن .. جلس وحيدا على مائده مستديره متعددة المقاعد كانت في يوما ما .. شديدة الازدحام والصخب.. زوجته اولاده الاعزاء .. كانوا يجلسوا هنا يأكلون ويتمازحون .. وهو كالملك المتوج على عرش عائلته ينظر لكل هذا بمزيج من الفخر والحب يتمازجان كل ما اجتمعت العائله على تلك المائده .. خواطره مرت سريعه متعاقبه حتى انسته الواقع .. وذلك حين افاق من جديد نظر حوله فوجد اطلال مائدة .. ونظر لنفسه في مرأة قريبه فوجد اطلال رجل هجره اولاده وماتت زوجته .. صوت جيرانه اذ يتمازحون ويتسامرون في انتظار الاذان كان يمزقه ويدمي قلبه .. ومع انطلاق صوت الاذان رفع ملعقة من اناء طفا فيه التمر على اللبن ورفعها الى فمه .. توقفت يده في منتصف المسافه .. وشعر انه وحيدا للغايه .. شعر انه ضائع .. وأن العمر قد ذهب سدى .. خنقته العبره .. حاول ان يكتمها فلم يستطع .. انطلقت دموعه غزيره حارقة لتندي لحيته البيضاء ثم لتتساقط في اناء التمر ..نظر من النافذه المفتوحه . . نظر الى حيث الشجره العتيقه تقبع في فناء المنزل منذ الصبا .. تابع ببصره الورقه المتساقطه من الشجره اذ تحملها الريح .. تهاديت في نعومه لتدخل من النافذه حملتها يد خفيه لتسقط بين يديه في سكون .. ابتسامه خفيفه ظهرت في عينيه.. اطلت برأسها من خلف سحابة الدموع .. وهدوء وسكينة اجتاحت كيانه .. لتشمل كل ملامحه .. زالت همومه في لحظة واحده .. وغمغم ما أجمل الخريف







http://arb3.maktoob.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوظه © ثقافة زوجية

تصميم الورشه